التحلطم في المعنى العربي الفصيح هو الشكوى بمناسبة وبدون مناسبة بل هي في أكثر أحيانها بدون مناسبة لدرجة يُصبح معها التحلطم جزءاً من سلوك الوعي واللاوعي للجماعة. واقول ظاهرة او أفضل قراءتها كظاهرة وربما ظاهرة طارئة على البحرينيين تحديداً وبالتالي فهل ككل الظواهر لها أسبابها الطارئة التي دفعت بها إلى قلب المشهد ونترك دراستها وتحليلها لعلماء الاجتماع والسوسيولوجيا فهذا دورهم. ونقرؤها «على خفيف» ونرصد بعض أشكالها وتمظهراتها أو تجلياتها اليومية في حياتنا وربما ايضا في اسلوبنا فلعلنا جزءا من ظاهرة التحلطم دون ان نعلم ودون ان نلاحظ. نماذج من التحلطم والمتحلطمين لا بأس من ان نستعرضها ونعرض بعضها لعلنا في العرض نكتشف التحلطم فينا فنعالجه او على اقل تقدير نخفف منه تمهيداً لتركه وهجره، فالتحلطم هكذا في الفاضي والمليان يصبح مسلكاً سلبياً وبالتأكيد سيئاً فهل نقبل ان نفتش فيما سنعرض عن انفسنا او عن شيء من تحلطمنا؟؟ صديق خرج على التقاعد بعد خدمة 40 عاماً واختارته الوزارة مستشاراً بمكافأة مقطوعة وبالإضافة إلى راتب التقاعد نشط في اعمال حرة ذات مردود طيب ومع ذلك ما ان تجلس معه حتى يبدأ مسلسل مكسيكي من التحلطم «لم يقدر لم يكافأ، مظلوم، الزيادة قليلة و.. الخ» تحلطم اصبح جزءاً من تركيبته وجزءاً من معتاد حديثه واسلوبه.. أتساءل هل هو الظاهرة ام هو جزء منها ذلك ان صديقاً آخر على ذات المنوال من التحلطم وعلى ذات السياق من التبجبج. مراسل لا يعمل بشكل جاد ابداً يتغيب يحضر متأخراً يخرج قبل انتهاء الدوام يجلس طوال الساعات القصيرة التي يداومها بتحلطم «مظلوم المعاش قليل، الاوفر تايم مقطوع» وهكذا المصيبة عندما يكلف بعمل لساعة أو بضع ساعة من شهر طويل بلا عمل وبلا انضباط في الدوام سيل آخر من التحلطم ومن التشكي عن زحمة العمل وضغط العمل، واكاد أقسم بالله العلي العظيم انه لا يعمل طوال الشهر سوى دقيقتين عندما يضغط بسبابته في دخول المؤسسة وعندما يخرج فقط ويسمي ذلك عملاً لو تسنى له لقطع سبابته واعطاها زميلاً ليضغط عنه الحضور والانصراف، لكنه ابتكر حيلة للحضور على الوقت والانصراف بعد الدوام علماً أنه لا يداوم سوى ساعتين!! وهكذا ستكتشف ان المتحلطمين شاطرون وبارعون براعة منقطعة النظير ولا مثيل لها في اختراع وابتكار الحيل في كل مجال وكل مكان ويتغطون بالتحلطم والتشكي والتبجبج. ظاهرة التحلطم اشتركنا فيها جميعاً بغض النظر عن المستويات الثقافية والاجتماعية والطبقية والفئوية حتى المعارضة دخلت على خلط التحلطم والتبجبج وأجادت تسييس التحلطم وتسييس التبجبج فهي مظلومة وغيرها ظالم وهي على صواب وغيرها خاطئ وهي صاحبة عدل وغيرها منحاز وهي صاحبة رؤية وغيرها أعمى وهي باستمرار هدف للمحاصرة والمطاردة والملاحقة والاضطهاد والتهميش والاقصاء والالغاء. واخطر ما في ظاهرة التحلطم ان تُسيس بحيث لا تمتلك الجمعية أو الحزب او التنظيم سوى التحلطم اسلوباً ونهجاً وتكتفي به متوهمة ان دور المعارضة ان تتحلطم وان تتبجبج وبس فلا تكلف نفسها بشيء آخر وبالبحث الجاد والجدي عن حلول وعن افكار ومرئيات ومقترحات وبرامج ومشاريع و.. وانظر حولك كم تتحلطم وكم تتبجبج معارضتنا. هنا نحن امام ظاهرة سلبية جداً تعطل الانتاج وتبرر الفشل وتصبح شماعة لكل كسول ولكل فاشل ولكل متطرف ولكل فوضوي دخل ملعب السياسة خالي الوفاض إلا من التحلطم يركب موجته ويعتلي صهوته وبدلاً من ان يتحلطم الآخرون لحاجات شخصية تبرر كسلهم وتقاعسهم وفشلهم، فالفوضوي يستثمر ظاهرة التحلطم لهدف سياسي لاسيما وانه لن يتعب ولن يجتهد في التحليل والتفسير والتفكير بل سيمسك بلجام ظاهرة التحلطم ويقود الظاهرة ما دام التحلطم قد غدا اسلوباً وغدا منهجاً للكسالى والعاطلين فكراً والعاطلين عملاً عن الابداع.
#منقول