"الوقوع في الفخ "👸

د. مصطفى محمود

كل فتاة تحب أن يقال أنها حلوة وساحرة وفاتنة وملكة جمال والسؤال هو: ما الجمال؟!! هل الجمال هو البودرة والأحمر والكريم والروج والكحل ؟ هل لون الشعر وطول الشعر وشكل التسريحة ومقاس الصدر ومحيط الوسط وطول القامة ورشاقة الجسم ؟! هل الجمال فستان و باروكة و بوستيش وشنطة وجزمة و نظارة؟! ..

المرأة يخيل لها ذلك كل تفكير المرأة في شكلها في مقاساتها الخارجية في اللون والنقشة التي ترسمها حول العينين والحاجب والشفة. يخيل لها أن الجمال يمكن رسمه على الوجه ويمكن تفصيله بالتحزيق و التقميط والمكواه والمشط وتنسى أن كل هذا طلاء و دهان وأنه سوف يذوب ساعة أن تضع رأسها تحت الحنفية وسوف تتحول إلى وجه بلياتشو بعد أول موجة من العرق وأنها بعد مشوار في الحر سوف تتحول الى امرأة أخرى. لأن كل ما صنعته كان ديكور من الخارج كل ما صنعته كان سلسلة متقنة من الأكاذيب وعملية رائعة من التلفيق اشترك فيها العطار والصيدلي .. هو تلفيق لا يمكن أن يكتب له الدوام حتى الجسم ومقاساته كذبة كبيرة أخرى سرعان ما تفتضح من أول حمل فيتحول الغزال إلى حصان بلدي والوجه الجميل والتقاطيع الدقيقة الحلوة هي نوع من الجمال يفقد تأثيره مع التعود والمعاشرة ..
وهذا حكم الجمال الخارجي مصيره دائمًا إلي الزوال وفقدان الأثر الجمال الخارجي مجرد مصيدة وجر رجل منحة سخيفة من الطبيعة للمرأة لتصطاد بها رجلاً نوع من خداع البصر ..
فإذا تم المراد وقع الصيد السمين في الفخ وعقد العقد ووقع المأذون وانتقلت العروسة المزخرفة المزوقة إلى العش الموعود ومضى شهر وشهران .. بدأ الديكور يقع وبدأ الطلاء يسقط والدهان يتشقق وبدأت تظهر النفس التي وراء الزواق والطلاء ..
ساعتها يبدو الجمال الحقيقي –إذا كان هناك جمال حقيقي– والجمال الحقيقي هو جمال الشخصية ، وحلاوة السجايا وطهارة الروح. النفس الفياضة بالرحمة والمودة والحنان والامومة هي النفس الجميلة النفس العفيفة والعفة درجات عفة اللسان وعفة اليد وعفة القلب وعفة الخيال وكلها درجات جمال والخلق الطيب الحميد والطبع الصبور الحليم المتسامح والفطرة الصريحة البسيطة والروح الشفيفة الحساسة كل هذه ملامح الجمال الحقيقي ..
أي قيمة لوجه جميل وطبعها قاس خوان مراوغ خبيث وأي قيمة لمقاسات الوسط والصدر وقلبها مشحون بالطمع والدناءة .وأي قيمة للشفاه المرجان ولسانها يقطر بالسم والقطران. وأي قيمة لساقها الجميلة خرط المخرطة التي تمد لك بشلوت ولذراعها الفاتنة التي تمد لك بقبقاب . وأي قيمة لباروكة لا يوجد تحتها عقل. وفمها الفاتن لا ينطق إلا الكذب ..
إذا أردت أن تحكم على جمال امرأة لا تنظر إليها بعينيك وإنما انظر إليها بعقلك..وحذار أن تنظر إليها بعاطفتك أو غريزتك وإلا فإنك سوف تفقد عقلك من أول نظرة..وفي ضباب الحواس وصخب الإثارة تستحيل الرؤية وتتحول حدائق الحيوان إلى حدائق مغرمين وملامح القردة إلى تقاطيع الغزلان ..

المرأة كتاب عليك أن تقرأه بعقلك أولا وتتصفحه دون النظر إلى غلافه قبل أن تحكم على مضمونه. ذوق الناقد وليس ذوق العاشق هو الذي سوف يدلك..و لذلك تحرص المرأة بذكائها على أن تحولك إلى عاشق أولًا حتى تفقد عقلك فلا ترى الحقيقة وأغلب الرجال لا يرون الحقيقة الا بعد فوات الأوان والذين يرون الحقيقة يتحولون إلى فلاسفة يعشقون الحقيقة لذاتها وينسون المرأة ويؤلفون الكتب في دراسة الجمال وفلسفة الجمال وينسون حكاية المرأة الجميلة.. حتى هذا الفيلسوف لا تعدم المرأة وسيلة للضحك عليه فتقابله كل يوم وتحت إبطها كتاب لقد وضعت الروج المناسب للرجل المناسب ..