كيف ..!

كيف يمضي المرءُ في دروبٍ أطفأت أنوارها،
وسدّت أبوابها،
وصار صدى الخُطى فيها وحشةً تردّدها الجدران؟
كيف يحملُ قلبًا مُثقلًا بفقدٍ ينهشه كالنار في الهشيم
، كلّما حاول أن يبرد، أضرمت فيه الذكرى لهيبًا لا يخبو؟

يا من فارقتمونا، أيّ ليلٍ هذا الذي خلّفتموه في أعيننا؟
أيّ خواءٍ هذا الذي سكن صدورنا،
فصار كلّ ما في الدنيا زائلًا لا طعم له ولا لون؟
كنتم دفء المساء، وجُنّة القلب، وسكينة الروح،
والآن لا شيء سوى بردٌ يتغلغل في العظم،
وغُصّةٌ في الحلق، لا تذيبها الأيام ولا ينساها الدهر.

لا أسخط على أقدار الله،
اللهم اعوذ بك من اعتراضي و سخطي
لكنه الابتلاءُ الثقيلُ الذي لا تبرأ منه الروح،

والنازلةُ التي لا تستكين لها الجراح.
كلّ صباحٍ، تُبعث الفجيعةُ من مرقدها،
وكلّ ليلٍ، يُجدد الحنين عهدَه بالدمع والأنين
.و جعله الله شفيعاً مكسباً لآجراً لا يضيع يالله

أواهُ لو أن الأرض تنشقُّ فتلفّنا إليكم،
أو أن المسافةَ تنكمش، فتمتدّ أيدينا إليكم،
لكن لا لقاء إلا في دارٍ لا يغادرها ساكنوها،
ولا يُصيبها الفناء كما أصابنا الفقد هنا.

حتى البكاءُ صار مثقلًا على روحي،
أستثقلهُ على سجادتي،
خشية أن يضيع الخشوع،
وأن تتحشرج التلاوةُ بين ضلوعي.
يالله ارحمني و بدد دمعي عند لقاءك



يا كلّ من مسّه وجع الرحيل،
أخبروني، هل ألفت قلوبكم هذا الغياب؟
أم أنكم مثلي، تعيشون بنصف روح،
ونصفها الآخر غائبٌ حيث لا تصل الأكفّ،
ولا تحتضنه الكلمات؟

لم أردْ إلا أن أفضفض،
أن ألقي ببعض هذا الحزن في مهبّ الكلمات،

وان اكسب منكم دعاءاً
لعل احدكم اقرب مني إلى الله



اللهم إنا نعوذ بك من الاعتراض على قدرك،
أو الضيق بحكمك، أو التسخّط على ابتلائك.
نسألك يا رحيم، الرضا بما قسمت، والصبر
على ما ابتليت، واليقين بأن ما عندك خيرٌ وأبقى.
فاللهم إن ضاقت بنا الأرض بما رحبت،
فاجعل صدورنا تتسع لرحمتك،
وقلوبنا تسكن لقضائك، وأرواحنا تطمئن بحكمتك.
إنك أنت العليم الحكيم، وأنت أرحم بنا من أنفسنا،
فاجعلنا من الراضين الشاكرين، يا رب العالمين.