عرض مشاركة واحدة
قديم 06-20-24, 03:01 AM   #1
شاعر متواضع

آخر زيارة »  اليوم (07:05 PM)

 الأوسمة و جوائز

افتراضي الصلاه لابن القيم رحمه الله



تكرير الأفعال والأقوال في ركعات الصلاة غذاءً للقلب والروح:
شرع تكرير هذه الأفعال والأقوال؛ إذ هي غذاء القلب والروح، التي لا قوام لهما إلا بها، فكان تكريرها بمنزلة تكرير الأكل حتى يشبع، والشرب حتى يروى؛ ولهذا قال بعض السلف: مثل الذي يصلي ولا يطمئن في صلاته كمثل الجائع، إذا قُدِّم إليه طعام، فتناول منه لقمة أو لقمتين، ماذا تغني عنه؟!

سرّ الصلاة ولبها:
سر الصلاة ولبُّها هو إقبالُ العبد على الله بكليته، فكما أنه لا ينبغي له أن يصرف وجهه عن قبلة يمينًا وشمالًا، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قلبه عن ربه إلى غيره.

وللإقبال في الصلاة ثلاث منازل: إقبال على قلبه، فيحفظه من الوساوس والخطرات المبطلة لثواب صلاته أو المُنقِصة له، وإقبال على الله بمراقبته حتى كأنه يراه، وإقبال على معاني كلامه، وتفاصيل عبودية الصلاة ليعطيها حقها؛ فباستكمال هذه المراتب الثلاث تكون إقامة الصلاة حقًّا.

قرة العين بالصلاة:
لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: جُعِلت قرة عيني في الصوم، ولا في الحج والعمرة؛ وإنما قال: ((جُعِلت قرة عيني في الصلاة))، وتأمل قوله: ((جُعِلت قرة عيني في الصلاة)) ولم يقل: بالصلاة؛ إعلامًا بأن عينه إنما تقر بدخوله فيها، كما تقر عين المُحب بملابسته محبوبه، وتقر عين الخائف بدخوله في محل أمنِه، فقرة العين بالدخول في الشيء أكمل وأتم من قرة العين به قبل الدخول، ولما جاء إلى راحة القلب من تعبه، قال: ((يا بلال، أرحنا بالصلاة))؛ أي: أقمها؛ لنستريح بها من مقاساة الشواغل، كما يستريح التعبان إذا وصل إلى نُزله وقرَّ فيه، وتأمل كيف قال: ((أرحنا بها))، ولم يقل: أرحنا منها، كما يقول المتكلف بها الذي يفعلها تكلفًا وغرمًا؛ فالفرق بين مَن كانت الصلاة لحوائجه قيدًا، ولقلبه سجنًا، ولنفسه عائقًا، وبين مَن كانت الصلاة لقلبه نعيمًا، ولعينه قرة، ولحوائجه راحة، ولنفسه بستانًا ولذة.

كتاب "طريق الهجرتين وباب السعادتين"
لا ألذ لقلب المصلي، ولا أقر لعينه من الصلاة إن كان محبًّا
الصلاة محك الأحوال، وميزان الإيمان، بها يُوزن إيمان الرجل، ويتحقق حاله ومقامه، ومقدار قربه من الله، ونصيبه منه، فإنها محل المناجاة والقربة، ولا واسطة فيها بين العبد وبين ربه، فلا شيء أقر لعين المحب، ولا ألذ لقلبه، ولا أنعم لعيشه منها إن كان محبًّا، فلا شيء أهم إليه من الصلاة؛ كأنه في سجن وضيق وغم حتى تحضر الصلاة، فيجد قلبه قد انفسح وانشرح واستراح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: ((يا بلال، أرحنا بالصلاة))، ولم يقل: أرحنا منها، كما يقول المبطلون الغافلون.

فالصلاة قرة عيون المحبين، وسرور أرواحهم، ولذة قلوبهم، وبهجة نفوسهم، يحملون هم الفراغ منها إذا دخلوا فيها، كما يحمل الفارغ البطال همها حتى يقضيها بسرعة، فلهم فيها شأن، وللنقارين شأن، يشكون إلى الله سوء صنيعهم بهم إذا ائتموا بهم، كما يشكو الغافل المعرض تطويل إمامه، فسبحانه من فاضل بين النفوس، وفاوت بينها هذا التفاوت العظيم.

وبالجملة فمن كانت قرة عينه في الصلاة؛ فلا شيء أحب إليه، وأنعم عنده منها، وبوده أن لو قطع عمره بها غير مشتغل بغيرها؛ وإنما يسلي نفسه إذا فارقها بأنه سيعود إليها عن قرب، فهو دائمًا يثوب إليها، ولا يقضي منها وطرًا، فلا يزن العبد إيمانه ومحبته لله بمثل ميزان الصلاة، فإنها الميزان العادل، الذي وزنه غير عائل.

منقول للفائده


 


رد مع اقتباس