•• الجزء السادس عشر ••🌸
في اليوم التالي ، و عند الساعةِ الثامنةِ صباحاً .. كانت ( روز ماري ) جالسةً مع والدتها و ( صوفي ) بعد تناول الإفطار في غرفة المعيشة .. ( صوفي ) على حاسوبها ، و السيدة ( كاثي ) تقرأ جريدة اليوم .. و ( روز ماري ) غارقةً في شرودها .
اليوم ستقام عملية ( إميلي ) و هي تفكر في الذهاب إلى المستشفى لتقفَ بجانبها و جانبِ ( آرثر ) و السيدة ( جوان ) ، لكنها لا تعرف كيفَ تقابل ( آرثر ) بعدَ ما حدث !
لا تزال مترددة ، و هي حتى الآن لا تعرف كيف تبعد عنها الاتهامات ، كيف تبريء نفسها عندَ ( آرثر ) !..
في هذه اللحظة جاءت ( جودي ) من غرفتها إليهن و هي تقول باهتمام
- ( إميلي ) في غرفةِ العملياتِ الآن ، عرفتُ ذلكَ من ( آرثر ) .
- لزمت ( روز ) الصمت ، بينما قالت ( صوفي ) بحزن
- آه ( إميلي ) ، لم أتوقع أن تكون عمليتها في الصباح الباكر .
نظرت ( جودي ) حينها لوالدتها قائلة
- هل يمكننا الذهاب للمستشفى يا أمي ؟!
قالت السيدة
- لا بأس يا عزيزتي .
قالت ( جودي ) لشقيقتيها
- أنا سأذهب ، من ترغب بمرافقتي فلتستعد .
قالت ذلك و عادت لتصعد الغرفة من جديد ، فلتفتت ( صوفي ) نحو ( روز ) التي كانت تنزل عينيها عند يديها المتشابكتين ، ثم اقتربت منها و قالت بهمس
- ( روز ماري ) ، ألن تأتي معنا ؟
نظرت إليها ( روز ) و قالت بنبرةٍ حزينة
- أرغب بذلك ، لكني خجلة من ( آرثر ) .
- لم تفعلي ما يخجل يا ( روز ) ! ، كل ما حصل لا شأنَ لكِ به ، وضحي ذلكَ لـ ( آرثر ) .
- لن يصدقني .
- حاولي ، لا تصمتي هكذا !
ارتابت السيدة ( كاثي ) من همهمةِ الفتاتين ، فسألت مستفسرة
- هل هناكَ مشكلة ؟!.. عما تثرثران ؟
قالت ( صوفي ) و هي تنظر لوالدتها
- لا شيء !.. أقنعها بالمجيء معنا .
قالت ( روز ماري ) و هي تنهض من مقعدها
- اقتنعتُ أساساً .. سأذهب .
قالت السيدة ( كاثي )
- ابلغاهما سلامي و تمنياتي لـ ( إميلي ) بالشفاء .
- حسناً ، هيا ( صوفي ) .
و بعد نصف ساعة ، كانت الشقيقات الثلاثة في المستشفى .. مضوا إلى قسم العمليات .. كانت ( روز ماري ) متوترة كثيراً من لقاء ( آرثر ) ، أطرافها ترتعد و قلبها ينتفض حيناً بعد حين .. كيف ستلتقي عينيها بعيني ( آرثر ) الآن ؟
و حينما وصلوا .. توقفت ( روز ماري ) بمجرد أن وقعت عينيها على ( آرثر ) الذي كان جالساً بجوار والدته على المقاعد .
أما ( جودي ) و ( صوفي ) فقد تقدمتا نحوهما ، سلمتا عليهما و تمنتا لـ ( إميلي ) عمليةً موفقة .
حينها تشجعت ( روز ماري ) ، التقطت أنفاسها و مشت بهدوء إليهما
وقفت عند السيدة ( جوان ) أولاً قائلة
- كيف حالك سيدة ( جوان ) ؟
نظرت السيدة لـ ( روز ماري ) بعينينٍ قلقتين و أجابت
- أنا بخير ، إنما قلقة على ابنتي كثيراً .
- ستكون بخير ، لا تقلقي .. أمي تبلغكِ سلامها و تتمنى عملية موفقة لـ ( إميلي ) .
- شكراً لها ، ذلكَ لطف منها .
التفتت ( روز ماري ) لـ ( آرثر ) ، الذي كان ينظر أمامه متجاهلاً وجودها .
اعتصرَ الألم قلبها .. كيف يتجاهلها ( آرثر ) بعدَ أن كان يتلهف لرؤيتها ، يبادر بالحديث إليها .. يقترب منها ، و يشد على يديها .
تكلمت بصوتٍ هادئٍ و هي تنظر إليه
- أتمنى أن تكون ( إميلي ) بخيرٍ جداً بعدَ العملية .
رمقها بطرف عينيه ، و ابعدَ وجهه عنها .. ثم وقفَ و ابتعدَ عن مكانه ليستندَ عند الجدار المقابل لوالدته .
ابتسمت حينها ( جودي ) و قد اسعدتها نتيجة خطتها التي دبرتها ، فانزلت رأسها تنظر إلى الأرض محاولةً إخفاء ابتسامتها الواسعة .
إنما لاحظتها ( صوفي ) .. و قد ازعجتها ابتسامة ( جودي ) الشامتة على ( روز ماري ) .. فهمست إليها قائلة
- مالذي يضحككِ يا ترى ؟!
نظرت إليها ( جودي ) و قالت هامسة هي الأخرى
- لستُ أضحك .
- تبدين سعيدة !
- ألا يحق لي أن أبتسم ؟!.. تذكرت أمراً فابتسمت !
قالت ( صوفي ) ساخرة
- صدقتكِ .
- نعم صدقي ، لأنه ليسَ هنالكَ سببٌ يجعلكِ تُكذّبيني !
أما ( روز ماري ) فلقد جلست على المقعد بجانب السيدة ( جوان ) و هي تعض شفتها بقهرٍ و حزن .. لا يجيبها ، و لا يريد النظر إلى وجهها .. هل تستحق منه كل هذا الجفاء يا ترى ؟!
همست بداخلها بألم
- ليسَ لهذا الحدِ يا ( آرثر ) ، أنتَ تقتلني !
و بعدَ دقائق قليلة ، قال ( آرثر ) و هو يهم بالمغادرة
- سأحضر القهوة .
و مضى ذاهباً ، فاغتنمت ( روز ماري ) الفرصة فوقفت و مضت خلفه مسرعة .
همست ( جودي ) لـ ( صوفي ) منزعجة
- انظري إنها تتبعه !
- يجب أن تتبعه ، هناكَ ما يجبُ أن يقال ، و مشكلة يجب أن تحل أنتِ سببها .
قالت ( جودي ) بانفعال
- ما زلتِ تضعينَ اللومَ علي !
نظرت إليها ( صوفي ) وجهاً لوجه ، و قالت بعصبية
- أنتِ من أشرتي إلي ذات يوم ، قلتِ أنكِ ستفسدينَ سعادةَ ( آرثر ) و ..
قاطعتها ( جودي ) بسرعة و هي تشدها من ساعدها
- اخرسي !.. لا تسمعكِ السيدة ( جوان ) الآن !
لاحظتهما السيدة .. فقالت متسائلة
- ( جودي ) ، ( صوفي ) .. أنتما بخير ؟
التفتتا إليها و قالت ( جودي )
- نعم .. لا تهتمي .
أما ( روز ماري ) ، فلقد لحقت بـ ( آرثر ) مسرعة ، و استوقفته من ذراعه قائلة برجاء
- ( آرثر ) .. أريد الحديث معك .
استدار إليها و هو يقطب جبينه ، و قال بحدة
- أتمنى أنكِ جئتِ لتوضحينَ لي سبب إرسالكِ تلكَ الرسالة لخطيبك السابق .
أقتربت منه أكثرَ و هي تنظر إليه بعينينٍ تتوسلان إليه
- صدقني ( آرثر ) ، لستُ من أرسلَ إليه .
- حقاً !؟.. من أرسلَ إليه إذاً ؟!
أنزلت بصرها إلى الأرض .. و قالت مترددة
- لستُ واثقة ، لكن .. ربما كانت ( جودي ) .
أصدرَ ( آرثر ) ضحكةً ساخرة و قد فاجأته ( روز ماري ) بالإجابة ، و قال مستنكراً
- ( جودي ) ثانيةً !
- تعرف جيداً أن ( جودي ) تتمناك ، تريدكَ أن تكونَ لها !.. بعدَ خطبتكَ لي دبرت هذهِ المكيدة لتفسدَ ما بيننا ، لتفرقنا يا ( آرثر ) !
قال ( آرثر ) بغضب وقد ارتفعَ صوته
- لا تلقي كل شيء على ظهر ( جودي ) ، ( جودي ) كانت معي و قد فاجأها انتظار ( بيتر ) لكِ في المقهى ، من يعرف .. لربما صدقت ( جودي ) في البدايةِ حينما أخبرتني أنكِ ما زلتِ تكنين المشاعر لـ ( بيتر ) ، بينما كذبتِ أنتِ .
تفاجأت ( روز ) مما سمعته ، تكاد لا تصدق أن ما سمعته قد خرجَ من بين شفتي ( آرثر ) !
اقتحمت الدموع مآقي عينيها بقهر ، و قالت بحرقةٍ و غضب
- لستُ كذلك !.. من المؤسف أنكَ لا تثقُ بي و لا تصدقني يا ( آرثر ) ، أنتَ لا تعرف ( جودي ) على حقيقتها فلمَ تصدقها و تكذبني ؟!
قال بحزنٍ و هو يحدق في عينيها الدامعتين ، و قد هدءَ قليلاً
- أصدق ما رأته عيناي .. ما حدثَ أمام ناظري ، و أنتِ لا ترغبينَ بالإفشاء حتى الآن عما كنتِ تريدينَ أخباره لـ ( بيتر ) .. ذلكَ أيضاً يحرقني يا ( روز ) ، كلما فكرت .. كلما تساءلت ، ماذا هناكَ ليحكى بينهما جنَّ جنوني !
قالت بألمٍ و الدموع لا تزال تنهمر من عينيها
- ( آرثر ) ..
رفعَ ( آرثر ) رأسه و التقط نفساً ليستجمعَ نفسه من جديد ، ثم نظرَ إليها و قال بأسف
- على ما يبدو لم يعد هناك ما تقولينه ، و لا تفسرينه يا ( روز ) .
قال ذلكَ و أمسكَ بالخاتم الذي في يده ، و سحبه من إصبعه و ألقاه أرضاً ..
اتسعت عينا ( روز ماري ) دهشةً و صدمة .. نظرت حيث استقر الخاتم على الأرض ، و الدموع قد توقفت .. و شهقات بكائها كذلك .
اعتراها سكونٌ رهيب و هي تنظر إلى الخاتم في ذهول ، بينما قال ( آرثر )
- ما بيننا انتهى ، أنا آسف .
قال ذلكَ و ابتعدَ ليكمل طريقه ، و تركَ ( روز ماري ) في صدمتها .. و ذهولها ، تفكر في كل ما حدث .. لما حدثَ كل هذا ؟!.. و كيف ؟!
مسحت دموعها و تنهدت بحرقةٍ و ألم .. و ذهبت هي الأخرى .. عبرت على الخاتم الملقى على الأرض دونَ أن تأبهَ به .. ذهبت و غادرت المستشفى بقلبٍ مكسور ، و عقلٍ مبهورٍ لما حصل .. هل تستحق ما حدث ؟!.. هل كان يجب أن يكسرَ ( آرثر ) قلبها ؟
تخلى عنها ببساطة !.. دونَ أن يتيقنَ من خطئها .. دونَ أن يتأكدَ من الحقيقة !
استقلت سيارةَ أجرةٍ و عادت إلى البيت .. دخلت و صعدت إلى غرفتها .. أوصدت الباب و انفجرت بالبكاء ، تنفض بعضاً من الألمِ و الخذلان بنحيبها و دموعها .. تصرخ بداخلها ، لماذا تعجلتَ يا ( آرثر ) ؟!
كنتَ أمهلتني أسبوعاً ، أما عدتَ تتحملني حتى استعجلتَ إنهاء الأمر ؟!.. و أخرجتني ببساطةٍ من عالمك !.. لماذا يا ( آرثر ) !؟
*****
حينما عاد ( آرثر ) إلى والدته و التوأمتين في الانتظار ، نظرت إليه ( صوفي ) .. كانت تتوقع عودته مع شقيقتها ( روز ماري ) ، و لكن ( روز ) لم تكن بصحبته .. فتوقعت أن الأمر لم يسر بخير .
قدمَ ( آرثر ) القهوة للجميع ، و قد كان آخر من قدمَ إليه كوبَ القهوةِ هي ( صوفي ) .
فسألته بهدوءٍ قبل أن يستدير
- أينَ ( روز ماري ) ؟
نظرَ إليها صامتاً .. ثم أجاب بهدوء
- لا أعلم .
لاحظت ( صوفي ) يده الممسكة بالكوب .. وجدت أن إصبعه بلا خاتمِ الخطبة ، انقبض قلبها و اعتراها القلق .. فقالت له
- ( آرثر ) أريد الحديث معك .
أصدرَ ( آرثر ) تنهيدةً و هو يشيح بوجهه عنها ، ثم نظرَ إليها و هو يقطب جبينه و قال هامساً
- إن كنتِ تريدينَ الحديثَ عن ( روز ) فلا أجدُ ما يستدعي الحديث عنه ، لقد انتهى الأمر بالنسبةِ لي .
تعجبت ( صوفي ) من كلامه .. و قالت وقد بدأت تتوتر
- ماذا تعني ؟
- لا يوجدُ ما يقال ، الموضوع انتهى .
قالت بإصرار و هي تشد على يده
- بل يوجد ..
صمت و هو يحدق في عينيها الزرقاوتين الواثقتين ، و تكلمَ قائلاً
- حسناً ، تعالي لنتكلم .
و مشى مبتعداً عن الجميع ، و مشت معه ( صوفي ) تتبعه .. و ( جودي ) تبعتهما بناظريها غاضبة و هي تهمس في داخلها
- مالذي تحاولينَ فعله يا ( صوفي ) ؟
توقفا بعد أن ابتعدا كثيراً عن ( جوان ) و ( جودي ) .. و صار كل منهما ينظر إلى الآخر ، فقالت ( صوفي ) و هي تحاول المحافظة على طبيعتها
- أينَ خاتم الخطبة من إصبعك ؟
صمت و هو يحدق في عينيها .. ثم ازدرد ريقه و قال
- لم أعد أريد الزواج من ( روز ماري ) .. لقد انهيت الخطبة منذ قليل .
علت الدهشة وجه ( صوفي ) .. و صمتت للحظةٍ تحاول استيعاب ما سمعته من ( آرثر ) .. ثم قالت و هي تعقد حاجبيها غاضبة
- لماذا تسرعت ؟!.. كنتَ قد منحتها وقتاً فلما انهيت كل شيءٍ الآن ؟
- لا جدوى يا ( صوفي ) .. لا تريد ( روز ) مصارحتي و لا أخباري بالأمر الذي بينها و بين ( بيتر ) ، ذلكَ يزيد من اشتعال غضبي كثيراً .. لم أعد أستطيع الثقة بـ ( روز ) !
قالت ( صوفي ) بقهرٍ و انفعال و قد احتد صوتها
- أنتَ تظلمها يا ( آرثر ) !.. لا شيء بينها و بين ( بيتر ) ، ( روز ماري ) ليست من أرسلَ تلكَ الرسالةَ إليه !
ابتسم ساخراً و تساءل
- ( جودي ) إذن من أرسلها ؟
صمتت ( صوفي ) و هي تحدق في وجهه الساخر بعصبية ، ثم قالت متمالكةً نفسها
- إذن قد أخبرتك ( روز ) ، و قد كذبتها ؟!
عاد ( آرثر ) يتحدث بجديةٍ أكبر
- نعم فَعَلت و كذبتها .. لماذا علي أن أصدقها يا ( صوفي ) ؟!.. ( جودي ) كانت معي حينما قرأت الرسالة عند ( بيتر ) ، و لقد فاجأها انتظار ( بيتر ) لشقيقتكِ ( روز ماري ) تماماً كما فاجأني .
ثم أضاف قائلاً و هو يتقدم خطوةً نحو ( صوفي )
- أنا أصدق ما رأته عيني يا ( صوفي ) ، و الإفتراء على ( جودي ) دونَ التأكد من الحقيقة عيب .
قالت ( صوفي ) بعصبية
- حاول أن تتأكد إذن !.. لا أن تكسر قلب ( روز ) المسكينة !.. ثم لا تثق بـ ( جودي ) ، هي تسعى لإفساد سعادتك ، و أنت سمحتَ لها بذلكَ بكل بساطة ، نجحت في افساد زواجكما كما كانت تريد !
قال ( آرثر ) بغضبٍ و قد ارتفع صوته
- كفى ( صوفي ) !.. لا تجعلي من ( جودي ) شيطاناً و ( روز ) ملاكاً لا يخطيء !.. ( روز ) تخفي شيئاً عني متعلق بـ ( بيتر ) ، ليتها تعترف و تفصح عن ذلك .. لكنها تصر على التكتم رغم كل شيء .
و قفت ( صوفي ) تحدق في ( آرثر ) بخيبة ، ما كانت تتوقع هذا منه ..
تسللت الدموع لعينيها حزناً على شقيقتها .. و قالت بصوتٍ حزين
- ستتألم كثيراً حين تدرك أنكَ ظلمتها و أسأت إليها بظنك هذا يا ( آرثر ) .
لم يقل ( آرثر ) شيئاً ، بل ظل يحدق فيها و هو يعقد حاجبيه غضباً .. فاستدارت ( صوفي ) و مضت مبتعدةً عنه .
التقط ( آرثر ) نفساً عميقاً .. و قال في نفسه
- هل تراني تسرعت ؟..
تذكر الدموع في عيني ( روز ماري ) .. فهمس بقلبٍ حزين
- يجب أن أتأكد بنفسي من الأمر .. يجب .